تقارير

سقوط الدراما السورية في الامتحان الاخلاقي

سقوط الدراما السورية في الامتحان الاخلاقي، يعتقد البعض أنّ الحديث عن وصول الدّراما السّوريّة
إلى القاع هو نوع من المبالغة والتشاؤم.

أو أنّ مايجري للدراما السّورية أمر طبيعيّ نتيجة الحرب الّتي تشهدها البلاد منذ تسع سنوات وتراجع الدراما كغيرها من القطاعات الأخرى أمر مبرّر له.

الدّراما السوريّة والانحطاط الأخلاقي:مستوى هابط يؤكّد فقر الأفكار ومحاولة لفت الأنظار بأسلوب مبتذل رخيص, وقد سيطرت حالة من السّخط على
المشاهدين بسبب المشاهد الاستفزازية , فأكثر من عمل بات يضمّ ألفاظاً نابيةوإيحاءات جنسيّة إضافةً إلى مشاهد
الرّقص المبالغ فيها.

ويجمع الكثيرون أنّ المسلسلات السّورية تعاني من أزمة أخلاق فبعد أن كانت ملاذ الأهل الآمن حيث كانت في
التّسعينات أبعد مايكون عن الانحلال, وتضمّ قيمة أو عبرة أو كوميديا دون خدج للحياء كمسلسلات الفصول الأربعة ,
يوميّات مدير عام , مرايا كانت مثالاً يحتذى في التّقارب بين أفراد العائلة أو التّرويج لمحاربة مظاهر الفساد ,في نفس
الوقت الّذي كانت به الدّراما المصريّة غارقة في مسلسلات العصابات والزّواج العرفي ناهيك عن الدّراما اللبنانية الّتي
كانت عامرةً بمشاهد الشّرب والابتذال الأخلاقي والّتي كانت محرّمة على جيل الثّمانينات والتّسعينات.

يعتبر سلسلة مسلسل صرخة روح عام 2013 نقطة مفصليّة في نزعة الدّراما السّورية والاتجاه إلى الانحدار، تحت
مسمّى الجرأة و تصوير مشاكل خاصّة لم يسبق أن عرضت على الشّاشات السّورية ,أضف إلى ذلك تبرير حالات
الخيانة وإظهار الخائن في كثير من الأحيان بمظهر الضحية المثير للشفقة ,كما طرح أمور غريبة عن المجتمع السّوري
كزنا المحارم والعلاقات غير المشروعة ضمن العائلة الواحدة كما يرى البعض أن مسلسل الخبز الحرام الّذي عرض
عام 2010

أوّل من فتح الباب على مصراعيه لتناول المشاكل الجريئة على مرأى المشاهدين حيث عرض مشهداً لطالبة
وهي تشاهد فيلماً إباحيّاً , ثمّ قامت الطالبة بدعوة صديقتها للمشاهدة معها كما تمّ عرض بعض فتيات المدارس
يتناقلن عبر الجوالات مشاهد إباحيّة , كما عرض مسلسل وراء الشّمس عام 2010 لقطة مثيرة بين الفنان باسم
خياط والفنانة صبا مبارك.

وتبدو الدّراما السّورية منفصلة عن الواقع على عكس عناوينها كما حصل في مسلسل “نساء من هذا الزّمن” حيث
يوهمنا الاسم بأنّه يحكي عن النّساء في مجتمعنا في ظلّ الحرب ومعاناتهنّ, لكنّ المحتوى على نقيض من ذلك
إذ يظهر لنا العلاقات الغير الشّرعية بين رجل وامرأة لاتربطهما سوى غرفة أو شقة عادةً تكون للمرأة وتعرف الزوجة
بذلك ولكنّها لاتستغني عنه وهناك أيضا الثنائي اللذان يعيشان تجربة الزواج قبل العقد الشّرعي وتشجّعهما الوالدة
على هذا الأمر.

ولم تخل مسلسلات أخرى من لقطات جنسيّة مثل “تخت شرقي “و”ماملكت أيمانكم” وباتت هذه المشاهد تتكرر
وتتصاعد جرأتها ويزداد التّعري واللباس الفاضح معها في خط متناسق بدءا من صرخة روح مرورا ًبمشاهد الممثلة
لينا كرم ودورها الفاضح في مسلسل عناية مشددة وليس بآخرها شارع شيكاغو والّذي أثار جدلاً واسعاً بين
المشاهدين.

نساء من هذا الزّمن

ولم يقتصر الجدل على بوستر المسلسل واّلذي يظهر فيه “مهيار خضور وسلاف فواخرجي” في مشهد اعبره
الجمهور جرأة دخيلة على المجتمع السوري، إضافةً إلى مشاهد عديدة منها مشهد ثلاث راقصات في ملهى
ليلي وتلفظ إحداهنّ بمصطلح عامي (العاهرة ) حيث اعتبر الكثيرون هذه الألفاظ السوقية سقطة كبيرة تنع
الأخلال في الدراما السورية، كما ظهرت “أمل عرفة”كراقصة واصفة جسدها بأنه أملاك عامة .

شيكاغو شارع

وفي هذا الإطار طرحت “ميديانا” موضوع الدّراما على شريحة متنوّعة من المجتمع السّوري حول رأيهم عن
الدّراما السّورية وماآلت إليه فقد رأت الطالبة (ت.د) أنّ المسلسلات السّورية باتت في الحضيض حيث تضطر
في كثير من الأحيان للانسحاب من مجلس العائلة تحت ضغط تلك المشاهد التّلفزيونية الخارجة عن مجتمعنا
والمتخطيّة لكافّة الخطوط الحمراء , واستنكر الطّالب (م.ح) الحالات الاجتماعية الّتي تصورها المسلسلات وخاصّة
في الفترة الأخيرة على أنّها أمر عادي وموجود وتصوير المجتمع السّوري على أنّه مجتمع منحل أخلاقيّا والتّفاخر
بالحمل الحرام والمشروب ونقلها للعقول كثقافة مباحة ومطروحة في أذهان السّوريين.

وتبدي المعلمة (ق.س) تخوّفها من هذه الدّراما وتقول أخشى على أولادي من هذه المسلسلات لأنها باتت تسابق
الدّراما التّركية والمكسيكية في طرح المواضيع والحوار والألفاظ وتعمّد اللباس الفاضح للممثلين وإظهار غير مبرر
لمشاهد الكازينوهات والمشروب والايحاءات الجنسيّة ومن جهة أخرى بدأت أخشى من فهم المشكلة المطروحة
بغير الصّورة المعروضة من أجلها.

الدراما السّورية والبيئة الشّاميّة:يعدّ مسلسل “أيّام شاميّة” الّذي عرض عام 1992 أوّل عمل تحدّث عن البيئة
الشّاميّة بعدها تتابعت عشرات الأعمال مثل “الخوالي” و”ليالي الصّالحيّة” وغيرها , هذه الأعمال لاقت في
فترة التسعينات نسب مشاهدة عالية حيث كانت تقدّم مستويات فنيّة مقبولة بالتّوازي مع محتوى يحترم عقول
المشاهدين.

 ايام شامية

ولكن ومنذ ظهور سلسلة مسلسل باب الحارة باتت دارما هذه البيئة عبارة عن موضة لاأكثر وقد وصفها الرّاحل
خالد تاجا بالسلعة التّجارية مضيفا أنّ كلّ ماشاهده الجمهور من خنجر وقتل واغتيالات في الحارات الشّامية لم
يكن موجوداً في الحقيقة , وتابع أنّه ابتكار تفنّن به الكاتب لاستدراج ذوق الجمهور غير المثقف وقد خضع ذلك
للّتجارة ورأس المال.

وباتت مسلسلات البيئة الشّاميّة تدور حول الفلك نفسه ألا وهو الرّجال الشّجعان الّذين يحاربون الاحتلال الفرنسي
بطريقة استعراضية تتخلّلها مشاهد الأكشن والصراخ , وفي الجهة الأخرى تعجّ تلك الدّراما بالنّساء اللواتي يعقدن
حلقات النميمة وحفلات الطهي وتتنافس الزوجات من أجل الفوز بقلب الزّوج المحظوظ, ممّا يعد سقطة كبيرة في
هذه الدّراما لما تكرّسه من نظرة دونية للمرأة ويبدو أنّ هذا النّهج لم يكن سياسة عابرة بل هو عمل ممنهج حسب
مايرى متابعون لخط سير مسلسلات البيئة الشّاميّة وخاصّة باب الحارة حيث تظهر يد الأجهزة الأمنية واضحة في
الأجزاء الأخيرة من باب الحارة من خلال تمرير أفكار لخدمة مشروع النّظام وتكريس المسلسل لصالحه فقد تحوّل
الجزء السّابع من قصص الرّجولة والغيرة إلى قصص حب وغراميّات وتحوّل زعامات الحارة من شخصيّات وطنيّة وقفت
في وجه الاحتلال الفرنسي والعثماني.

إلى شخصيات سلبت النساء عقولهم فبات الزعيم يهرع خلف الفتاة اليهودية الّتي انتزعت منه تلك الشّخصيّة
القياديّة وأثار المسلسل استهجان الكثيرين حيث ركز على فكرة التزمت الإسلامي ووضعه في ميزان في الكفة
المقابلة التّسامح اليهودي, فأظهر الإسلام بصورة رجعيّة تختصر صورته بضرب وإذلال النّساء وطرح أحكام فقهية
مشوّهة بينما الفتاة اليهودية (كندا حنا) فتاة طيبة ومتسامحة, أمّا شيخ المسجد فهو شخصية منبوذه لا يتبعها
إلّا كل عاطل عن العمل, أمّا الرّجل لا همّ له سوى الزّواج من النّساء وتعليم بناته النميمة.

هذا الطرح للمسلسلات الشّاميّة بات أمرا مثيراً للسخرية والاستهجان بحسب آراء المتابعين الّذي يقدّم فيه المخرج
صورة مشوّهة عن البيئة الملتزمة آنذاك.

اقرأ أيضاً:اليوتيوبر الألماني.. كريستيان بيتزمان يشهر إسلامه

تشويه الثّورة من خلال الدّراما السّوريّة:لم يكن الشّعب السّوري معوّلا على إعطاء الحريّة للدراما السّورية إيماناً منه من خضوع تلك الدراما للأجهزة الأمنيّة
وقد جرى إنتاجها بما يتوافق مع رؤية النّظام السّوري وبات الفنّان أداة لتشكيل توجيه سياسي يلمع صورة النّظام
وجيش النظام حيث تعتبر الثورة في تلك الدراما مؤامرة خارجيّة بأهداف استعمارية تهدف للنيل من سيادة الوطن
كما بثّت دعاية النّظام ومقولاته عن الثّوار الإرهابيين وإرسال رسائل مبطّنة تظهر بين الحين والأخرى كما هو الحال
في مسلسل بلا غمد ومسلسل عناية مشددة حيث يطرح مسلسل بلا غمد الصّراع بين الخير المتمثّل بالنّظام
السّوري وجيشه , والشّر المتجسّد بالجماعات الأخرى .

وصوّر مسلسل عناية مشددة الثّورة السّورية على أنّها حركة فاسدين وعاطلين أرادوا جذب الانتباه لهم عبر تدمير
البلد ودم الأبرياء .

كما أثار مشهد مصوّر في مسلسل كونتاك موجّة من الغضب بعد تقديمه منظمة الدّفاع المدني السّوري على

اقرأ المزيد:معالم من مطارات العالم

أنّها تفبرك حقائق حول قصف النّظام بالأسلحة الكيماوية للمناطق الّتي تسيطر عليها المعارضة السّوريّة , ممّا أثار
حملة استهجان واستنكار دفع بالممثلة أمل عرفة الّتي ظهرت بالمشهد إلى الاعتذار إلّا أنّ اعتذراها لم يلق قبولا
من المتابعين بغد عرض الحلقة الّتي تسخر بشكل فاضح من الضحايا.

ماتحدّثنا عنه بين السّطور حول الدّراما السّوريّة هو غيض من فيض ويبيّن ماقدّمته خلال سنوات الثّورة أنّ مسألة
الاحتضار لهذه الدراما مسألة وقت لاغير, حيث تلاحقها سلسلة من النّكبات وتنهشها ابتداءً من ممثلين دخلاء على
المهنة مروراً بمحتوى فارغ مخل بالذوق العام مروراً برسائل مبطنّة تطعن بالشّهداء والثّوار هذا ويظهر لمختلف المتابعين
من كافّة الفئات الوجه الحقيقي للنّظام الّذي يكشف عن وجهه القبيح وحقيقة وجوده واضعاً المسلسلات ولإعلام السّوري في خدمة مشروع (البقاء في السّلطة )على أنقاض وطن مدمّر.

ميديانا – آية الحلبي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى